أقوال العرب وأفعالهم .. نفاق بلا حدود
محمد الوليدي
النظام المصري يحب الشعب الفلسطيني ويساند قضيته قولا ، وقد يذرف الدموع على معاناتهم إذا اقتضت الحاجة ، لكنه فعلا يتمنى لو يختفي الشعب الفلسطيني من على وجه الأرض ، يحاصره أسوة بالصهاينة ويتفاوض معه بإسم الصهاينة ،حتى يُخيّل لك أنه الأم الحنون لهذا الكيان الصهيوني.
النظام السعودي نفس الشيء ؛ يُخيّل لك أنه الأم المرضعة لهذا الكيان ،فهو الأكثر كرما على هذا الكيان الصهيوني لسعة في اليد ؛ من تعبيد الطرق في هذا الكيان عام ١٩٤٨ عبر شركة أرامكو وحتى تمويله للكيان الصهيوني مباشرة في محرقة غزة مؤخرا ، بعد أن خيّب آمالهم دحلان الخائب دوما، طبعا كغيره من الأنظمة العربية يحب الشعب الفلسطيني ، لكنه قام بكل ما لديه من نفط بتخريب حتى " قعدة عرب " من أجل محاولة إنقاذهم من محرقة غزة التي مولها ، طبعا من يتعهد بعمل ما يضمن له الحماية قدر الإستطاعة.
لكن النظام السعودي أكثر إقلالا في القول ربما خوفا من الإنكشاف ،لإنه لا يتقنه ، وعادة ما يستأجر أناسا لهذا الغرض ، يتبع في أكثر الأحوال مدرسة النفاق الكلاسيكية ، والتشبيه السلولي فيه الكثير من الدقة وغير بعيد عن تصرفاتهم .
فمثلا التنديد بالكيان الصهيوني والذي يرد عادة عن النظام السعودي يتركوه على عاتق السيد الأمريكي ، أحد سفراء أمريكيا في السعودية قالها صراحة " كنت أكتب بيانات التنديد بأسرائيل وأجمع نكات جحا ".
فالنفاق في هذا العصر صار عِلما عند العرب ، وله مدارس وأساليب وفنون ، وهناك من الساسة العرب من برع فيه وأجاد وأتقن ، وهؤلاء عادة من يستمرون في مواقعهم ، فهو الوسيلة الأقوى التي يحتاجها أي سياسي عربي لضمان البقاء.
عندما بدأت المواجهة ما بين إشتركية جمال عبد الناصر مع الملك فيصل ، أقترحت أمريكيا على فيصل إستخدام الإسلام لمواجهة هذه الإشتراكية ، وهذا ما فعله فيصل ، فجند عشرات الكتاب والصحفيين لمناصرته في حربه الإعلامية مع عبد الناصر ، لكنه ارتكب خطأ فاضحا عندما نسي أن هؤلاء الكتاب والصحفيين الذي جندهم للدفاع عن إسلاميته المزعومة هم من النصارى المارونيين في لبنان ، منهم جهاد الخازن والذي لا زال مستعبدا عندهم ، أو أن صك ملكيته لم ينته بعد .
من عمالقة النفاق في العالم العربي ؛ كان نوري السعيد رئيس وزراء العراق أثناء العهد الملكي ، كان إذا ألقى خطابا جاء بشيء جديد ، ولو تحولت أقواله لأفعال لما وجدت يهوديا على وجه الأرض ، في أحد خطاباته التي بز فيها الذين علموه ، ذُهل الصهاينة وأتصلوا بالأنجليز ليتأكدوا عما إذا كان الرجل لا زال على العهد أم لا ، فطمأنهم الأنجليز أن الوضع لديه في غاية الحرج ويحتاج فيه أن يقول ما قال... إبننا وإن شطح في القول.
ويقينا لو كانت هناك جامعة تدرس النفاق كعلم لوجدت خطاباته جميعها ضمن المنهج ..
ومن المنافقين العرب المشهورين ؛ فوزي القاوقجي ، ألذي أختارته جامعة الدول العربية ليقود جيش الإنقاذ في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ ، كان قد عاش سنين طويلة في الغرب ، أثناء عمله مع المخابرات البريطانية مما أكسبه تعليم المزيد من أساليب الغرب الحديثة في النفاق ،وقد ظل طيلة الحرب يطالب العصابات الصهيونية بإنتصارات تمثيلية ، وحتى عندما كان الصهاينة يرفضون طلبه ، فأنه غالبا ما كان يذيع هذه الإنتصارات المزعومة لتلوكها ماكينات الإعلام العربية آنذاك .
هذا نموذج نستعرضه للقراء الكرام من نماذج النفاق العربي عند فوزي القاوقجي ، فعندما أستشهد عبد القادر الحسيني ، وقف فوزي القواقجي يؤبنه بهذه الكلمات :
" في سبيل الله والوطن ، في سبيل العروبة والعرب ، في سبيل تحرير فلسطين وإنقاذها من ربقة الإكتساح الصهيوني ؛ أستشهد المجاهد عبد القادر الحسيني ، وإنها لساعة رهيبة ساعة أستشهد فيها ، وإنها لساعة رهيبة ساعة ننعيه ، ونستمطر عليه شآبيب الرحمة ، لقد كان البطل الشهيد مثالا للتضحية والرجولة ، وقد قام بكل ما يمكن للرجل الحق أن يقوم به خدمة لوطنه وبني قومه ، لقد قدم روحه فداء لفلسطين ، وروى بدمه الزكي تربة فلسطين فأعطى بذلك مثالا للتضحية والبطولة ، ففي سبيل الله والوطن يا عبد القادر ، وسيجزيك الله جزاء الشهداء ، وسيسجل لك تاريخ الوطن مفخرة إستشهادك ليس بالحبر بل بالدماء ، وأن العرب لمصرعك لناقمون ، وإنهم سيجدون السير على الطريق التي سلكتها للوصول للغاية المثلى إلى الحرية إلى الحياة ، ومن أحب الموت وهبت له الحياة ... بإرادة جبارة أعاهد الله (!!!) والوطن لنأخذن بثأره بما يشرف العرب .. "
بالطبع كان فوزي القاوقجي أكثر الساعين للتخلص من البطل عبد القادر الحسيني ، فمهمة القاوقجي الرئيسية أصلا هي ليست محاربة العصابات الصهيونية بل تحطيم قوات الجهاد المقدس التي يقودها عبد القادر الحسيني ، وذلك من أجل فتح الطريق أمام العصابات الصهيونية للسيطرة على المناطق التي تم الإتفاق عليها ما بين الحكام العرب والوكالة اليهودية مسبقا ، كما أن فوزي القاوقجي هو الذي أخبر العصابات الصهيونية بأن عبد القادر الحسيني بلا سلاح وهذه فرصتهم فيه ، وأخبرهم أن عبد القادر الحسيني طلب السلاح منه ولم يعطه .
فقط قبل سبعة أيام من إستشهاد عبد القادر الحسيني ، أجتمع فوزي القاوقجي ويوشوا بالمون ؛ أحد ضباط إستخبارات الهاجناه - مسؤول الموساد فيما بعد - لمناقشة مهمة الصهاينة التي تشغلهم وقتها ؛وهي فتح طريق تل ابيب - القدس ، وقد قررا على التعاون في ما بينهما ، وقد شكا بالمون من عبد القادر الحسيني وأبو حسن سلامه ، فتمنى القاوقجي من بالمون " ان تعلموهم درسا لا ينسوه " !! عد أيها القارئ الكريم وأقرأ تأبينه مرة أخرى.!
نموذج آخر من النفاق العربي وعلى الطريقة اللبنانية ، ففي عام ١٩٨٥ حدثت مجزرة بئر العبد ، واحد وثمانون شهيدا ، وأكثر من مئتي جريح كانوا ضحاياها ، وكانت تهدف لقتل زعيم حزب الله آنذاك الشيخ حسين فضل الله ،والذي نجا منها بالطبع ، وهي العملية التي نفذتها المخابرات الأمريكية بإشراف من بندر بن سلطان سفير السعودية في أمريكيا آنذاك ، وعلى أثرها أدانت الإستخبارات اللبنانية وأستنكرت هذه المجزرة ، وتعهدت بتتبع وملاحقة المتورطين فيها ، وإنه لن يهدأ لها بال إلا وهم في قبضة العدالة ... ! بالطبع كانت الإستخبارات اللبنانية هي التي قامت بتجهيز الشاحنة المفخخة التي أستخدمت في المجزرة.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment