Tuesday, March 8, 2011

حكم الإسلام في التظاهر وخلع الحكام

حكم الإسلام في التظاهر وخلع الحكام

محمد الوليدي

بداية لا بد لنا من التفريق بين أولياء أمور المسلمين وحكام اليوم، والذين هم أولياء أمور أعداء المسلمين في العالم الإسلامي أو وكلاؤهم الا فيما ندر، أو المتحكمون في الأمة كما أطلق عليهم أحد أعظم علماء فقه الواقع في العصر الحديث الشيخ وجدي غنيم، والذي لا ُينكر فضله فيما يجري، ومن لا يفرق بينهما يكون إما جاهلا أو مدلسا.



ونحمد الله أن الأمة وجل علمائها أجتمعت على خلع الظلم والظالمين بعد أن بلغ الظلم حدا لا يطاق، حيث أستبيحت الأمة وتم تعطيل الشرع فيها وسفه الدين وأهدرت الثروات لصالح أعداء الأمة وأرسيت قواعد التخلف عن عمد وتم تجويع الناس وقطع أرزاقهم، أما خيرة علماء وشباب الأمة فكان نصيبهم إما القتل أو السجن أو التشريد، وحتى الحرائر لم يسلمن من سجون هؤلاء الحكام; فعذبن كما يعذب الرجال وأنتهكت أعراضهن، وبعد الصبر الطويل على كل هذا ونفاد كل محاولات الإصلاح قررت الأمة التغيير متحملة الثمن مهما يكون، إلا أن هناك فرقة تدعي بأنها تسيرعلى خطى السلف الصالح أبت إلا أن تخرج عن هذا الإجماع وهم ما يعرفون بالسلفيين التقليديين، وأخذت تدلس على العامة كعادتها في معظم الكوارث التي أصابت الأمة منذ ظهور هذه الفرقة عام ١٧٤٤.



وليعذرني القارئ الكريم أن أتعرض لهم بشيء يسير من تاريخ زاخر حتى يتنبه لهم ممن يصدق وساوسهم من عامة الناس وحتى نبين صدقهم من كذبهم في هذه الدعاوى.



بالطبع هذه الفرقة لا تأخذ بالتفريق بين أولياء الأمر وحكام اليوم الذي ذكرناه في البداية، ومع ذلك سنسايرهم في ذلك ولا نوافقهم بالطبع، حتى نرى ما يريدون أن يصلوا إليه، فهم قيدوا الخروج على حكام اليوم وكأنهم من الخلفاء الراشدين، ولكن حين تقتضي مصلحتهم أو مصلحة الحكام أو حتى مصلحة أعداء الأمة يجيزون الخلع ولأسباب تافهة وغريبة ومريبة ومنها ما لا علاقة له بالشرع.



فعندما ظهرت هذه الفرقة عام ١٧٤٤ كان خروجها على دولة الخلافة العثمانية في اللحظة التي كان جيش هذه الدولة يدق أبواب فيينا، وفي حين كان محمد بن عبد الوهاب يشرف على غزوات السبي والسلب والنهب ضد عمال الدولة العثمانية ومن تحتهم، كان شيخ الإسلام في دولة الخلافة العثمانية يوقع إتفاقية مذلة للنمساويين أعادوا فيها بلغراد وصربيا الى الدولة العثمانية.



وفي عام ١٩٢٩ خرجوا على ولي أمرهم الملك عبد العزيز وقطعوا خطوط الهواتف وحطموا محطات التلغراف لأنها رجس من عمل الشيطان، وحين أرسل الملك عبد العزيز إبنه سعود لمفاوضتهم سلمه زعيمهم فيصل الدويش رسالة ليسلمها لوالده ويطرح فيها سبب خروجهم عليه، وأنظروا معي للسبب "حرمتمونا من النهب، فلا نحن مسلمون نقاتل الكفار، ولا حتى عرب ننهب بعضنا البعض ونعيش على ما ننهبه.. فلا تركتم عندنا لا دين ولا تقاليد" - الرسالة محفوظة في أرشيف الوثائق البريطانية تحت هذا الرقم:



PRO:FO371/13736/E3457/2322/91



وقبل خمس سنوات من هذا الخروج وحين هدد أشراف مكة بإستخدام منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج عام ١٩٢٤ للثورة على الإنجليز إن لم تتم الإستجابة لمطالبهم، قامت بريطانيا بتجنيد هؤلاء السلفيين بالقيام بمهمة خلعهم من الحجاز، عبر فتاويهم والسلاح الذي قدمته بريطانيا لهم، فبدأوا بشن حرب لا هوادة فيها بدأت بمجزرة في الطائف لم يفرقوا فيها بين طفل وامرأة وشيخ وهم يصرخون: "يا جفار.. يا جفار"، ثم عاثوا في الحجاز سبيا وقتلا ونهبا.



وفي عام ١٩٦٤ وبعد أن أخل الملك سعود بالإتفاقية المعقودة بين والده الملك عبد العزيز والأميركان بخصوص النفط، حين سلم حقوق نقل النفط لشركة يونانية، وبعد أن بدأ بمحاسبة الشركات الأميركية على ما تنهبه من نفط بخبرة فنزويلية; ضاقت به أميركا ذرعا وقررت خلعة، فانهالت فجأة الفتاوى التي تطالب بخلعه ولأسباب أخرى بالطبع كانت جاهزة وكانت موجودة أكثر بكثير في من كانوا قبله وفي من جاؤوا بعده وما تكلموا فيها قط، بل في آخر سنتين على الأقل من حكم الملك فهد كان لديهم العلم اليقين بأن "ولي الأمر" قد فقد كافة مؤهلاته للحكم، إلا أنهم تجنبوا الحديث في هذا الأمر أو غيره، حتى أن سائلا سأل أحد مشايخهم الكبار وهو أبو بكر الجزائري عما إذا كانت لحية الملك فهد على السنة أم لا، فرد عليه: "لعنة الله على السائل فما أراد الا الفتنة"، ولا ندري ماذا سيكون جوابه وربما فعله لو سئل عما إن كان يصلح للحكم بالظروف التي كان "ولي الأمر" فيها.



وفي عام ٢٠٠٩ أجازوا الخروج على حركة "حماس"، وأعلنوا لهم أمارة وحملوا السلاح ضدها في لحظة وقف فيها كل شرفاء الأمة إحتراما لجهاد هذه الحركة وأسلوبها في الحكم في غزة، وهم يعرفون أن هذه الحركة دخلت الحكم إضطرارا لخلع الظلم الذي أحدثه من كان قبلهم، بل إني لا أستبعد أنهم كانوا خلف الفتوى بقتل الشيخ اسماعيل هنية - وإن انكروها - والتي ذكر أحد المتورطين بمحاولة القتل أن علي الحلبي، هو من أصدر هذه الفتوى.. وقلت لا أستبعد بناء على مواقف عديدة لصاحب الفتوى ومشايخهم ككل، وهو مقرب جدا ممن يعرفون بالجامية الذين ظهروا في حرب الخليج الأولى في السعودية وأصدروا العديد من الفتاوى التي رخصت بدخول القوات الأميركية الى السعودية، وكان منهم من يقبض راتبا إضافيا بدل لحية وتقصير ثوب.



والعجيب أنه هو نفسه على الحلبي من يقف الآن شاذا عن إجماع العلماء والأمة فيما يجري الآن من خلع الظلم والجور عن الأمة، ونسأله كما سأل: هل ترضى أن تأتي يوم القيامة وفي صحيفتك الدماء والظلمات والجور الذي أحدثه الظالمين في الأمة؟ هل ترضى أن تأتي شريكا لهم في ما فعلوه؟ وإذا كان الساكت عن الحق شيطان أخرس، فما حكم المدافع عن الباطل؟ ووصلت به أن يدافع بشراسة عن رأيه بل رد بقلة أدب على أفاضل أبوا أن لا يتخلوا عن أمتهم، تماما على طريقة زعران الزرقاء التي ينتمي اليها، مع إحترامي لهذه البلد، حين قال "تضربون على إستكم" وكأن لا إست له!.



إذن هذه الفرقة لا يأخذ بقولها ولا يعتمد على ترهاتها، وها هو تاريخها شاهد، بل حتى أصل ومنبع هذه الفرقة قيل فيه الكثير، وهو شيخهم "إبن تيمية" والذي شذ عن المذاهب وإجماع العلماء في قضايا كثيرة وصلت أن يكفر عليها ومن كفره الأمام إبن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم ووصفه أيضا بالخرف والإفتراء، وأيضا الإمام تقي الدين السبكي كفره وقال عنه بأنه مبتدع، أما الإمام محمد الزرقاني المالكي، فقد أتهمه بالكذب والتهور، أما الإمام إبن حجر العسقلاني فقال عنه بأنه حاول ان يجتهد ففشل لكنه أستبشع ما جاء منه في تحريم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل عنده وذلك في شرحه "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، في فتح الباري، وهي المسألة التي يكفرون بها أتباعه اليوم عامة المسلمين واستباحوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم بسببها، وأسالوا فيها دماء مليون مسلم وشردوا عشرة ملايين في نصف قرن ولا يعلم إلا الله كم من المسلمين قتلوهم في غزواتهم قبل عام ١٩٠٠.



ويخافون على الدماء الآن، وعلى معصية الخروج على "ولي الأمر"، ويحرمون التظاهر لأسباب لا ندري سندهم فيها، وكادوا يحكمون بما جاء في "الكتاب الأخضر".



شرط ولي الأمر الذي أجمعت عليه المذاهب هو أن يقيم شعائر الدين وأن ينصف المظلومين من الظالمين، ولا شيء من هذا يوجد الآن، وكيف بمن هو وكيلا عن عدوك عليك، بالطبع الخروج عليه ومجاهدته ومن يتخلف عن هذا ويثبط العزائم ويدخل اليأس في الأمة، فحكمه في قوله تعالى:



"وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ".



أما الدماء التي تسيل بسبب ذلك فنعلم أنها ليست رخيصة ويسيل أكثر منها لو أستمر حكم الظالمين، ناهيك عن المظالم الأخرى، كما نحسب هؤلاء شهداء عند الله، بل من أرفع مراتب الشهداء، فقد صرخوا في وجه الحكام بكلمة حق وأمروا بمعروف ونهوا عن منكر، وقتلوا في سبيل الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:



"سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر، أمره ونهاه، فقتله".



فما بالك بحكام اليوم؟!



ثم من أين جاؤوا بتحريم التظاهر وهو مجاز في أقل من هذا بكثير، "عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن لي جاراً يؤذني فقال‏:‏ ‏‏إنطلق فأخرج متاعك إلى الطريق‏ ففعل، فاجتمع عليه الناس يقولون ما شأنك فجعل يقول جاري يؤذيني فجعلوا يقولون اللهم العنه.. اللهم اخزه.. فبلغه ذلك فأتاه فقال أرجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك أبداً‏".



كما أن جميع المذاهب الأربعة أجمعت حتى على أنه ما يخرب من أملاك الدولة بفعل الخارجين على ولي الأمر (الحقيقي) بسبب تأويل - تخيلوا ذلك - لا يلزمهم تعويضه وتتم مناقشتهم حتى يتم اقناعهم وتبيين الحقائق لهم.



ويقينا لو كان الخروج على ولي الأمر بهذه الإستحالات التي يرددوها دوما ما وجدنا أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سكتوا في أمر الخروج على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو من الخلفاء الراشدين.



لكنهم خرجوا عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ونصيبهم كنصيب بني اسرائيل في قوله تعالى: "لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".

No comments: